وكما جاز الاحتجاج بلغة هذه القبائل جاز الاحتجاج بأمرين آخرين:
أحدهما: ما روي من نثر العرب ونظمهم بعد أن دوِّنت الدواوين بشرط أن يكون الراوي ثقةً صدوقًا أمينًا عدلًا:
والآخر: كلام الإمام الشافعي -رضي الله عنه- الذي تأخر زمانه عن زمن الاحتجاج. وقد أورد السيوطي كلمة أحمد بن حنبل: "كلام الشافعي في اللغة حجة"، ولم يكن هذا رأي ابن حنبل وحده، بل تعدَّدت أقوال العلماء التي تدل على الاحتجاج بلغة الشافعي، ومنها قول عبد الملك بن هشام: "الشافعي بصير باللغة يؤخذ عنه، ولسانه لغة فاكتبوه"، وقول الوليد بن أبي الجارود: "كان يقال: إن الشافعي لغة وحده يحتج بها"، وقول أبي منصور الأزهري: "والشافعي فصيح حجة في اللغة" ومعنى هذه الأقوال أن ما جاء في مصنفات الإمام الشافعي من عبارات شذَّت عن القواعد العربية المعروفة لا يمكن حملها على الخطأ، وإنما تُجعل عباراته شاهدًا لما استعملت فيه كما تُعدُّ وجهًا من وجوه سعة العربية. وقد أحسن المحقق الكبير الأستاذ أحمد محمد شاكر حين صنع في نهاية (الرسالة) فهرسًا لأقوال الشافعي التي خالفت المعهود من قواعد العربية.
انقسام المسموع إلى مطرد وغيره:
ينقسم المسموع إلى مطرد وشاذ، فالمطرد مأخوذ من طرد، وأصل هذه المادة التتابع والاستمرار. وعليه يكون المطَّرد: هو ما استمرّ من الكلام في الإعراب وغيره. والشّاذ مأخوذ من شذذ، وأصل هذه المادة التفرق والتفرد، وعليه يكون الشّاذّ: هو ما فارق ما عليه بابه، وانفرد عن ذلك إلى غيره.
ونلحظ أن السيوطي قد نقل تعريف المطرد والشاذ عن ابن جني في (الخصائص)، وتصرف في النقل عنه تصرفًا يسيرًا بالإيجاز غير المخل؛ فأسقط بعض الأمثلة