المتضايفين. وقد ردَّها الفراء في (معاني القرآن)، وقال أبو علي الفارسي: "ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى"، وأنكرها الطبري في تفسيره، والزمخشري في (الكشاف)، أما ابن مالك فقد رآها من أقوى الأدلة على جواز هذا الفصل معللًا لذلك بأن قراءة ابن عامر -رضي الله عنه- ثابتة بالتواتر، ومعزوَّة إلى موثوق بعربيته، قبل العلم بأنه من كبار التابعين، ومن الذين يُقتدى بهم في الفصاحة، كما يقتدى بمن في عصره من أمثاله الذين لم يُعلم عنهم مجاورة للعجم يحدث بها اللحن، وقال: "ويكفيه شاهدًا على ما وصفته به أن أحد شيوخه الذين عوَّل عليهم في قراءة القرآن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وتجويز ما قرأ به في قياس النحو قويّ، وذلك أنها قراءة اشتملت على فصل بفضلة بين عامرها المضاف إلى ما هو فاعل، فحسَّن ذلك ثلاثة أمور:
أحدها: كون الفاصل فضلة، فإنه بذلك صالح لعدم الاعتداد به.
الثاني: كونه غير أجنبي لتعلقه بالمضاف.
الثالث: كونه مقدَّر التأخير من أجل المضاف إليه، مقدر التقدم بمقتضى الفاعلية المعنوية، فلو لم تستعمل العرب الفصل المشار إليه؛ لاقتضى القياس استعماله، لأنهم قد فصلوا في الشعر بالأجنبي كثيرًا، فاستحقّ الفصل بغير أجنبي أن يكون له مزيَّة، فحكم بجوازه". انتهى ما قاله ابن مالك.
والمثال الثالث: احتجاج ابن مالك على جواز سكون لام الأمر بعد "ثم" بقراءة "ثُمَّ ليقطع" من قوله -عز وجل-: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (الحج: 15)، والقراءة المذكورة هي قراءة عاصم مع حمزة، وقد نصَّ النحاة على أن حركة لام الأمر الكسر حملًا على لام الجر؛ لأنها أختها في الاختصاص بنوع من أنواع الكلمة