أما المنصفون فهم الذين يرون أن القراءة لا تتبع العربية، بل إن العربية هي التي تتبع القراءة؛ لأنها مسموعة من أفصح العرب بإجماع، وهو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن أصحابه ومن بعدهم، ولقد صدق ابن الحاجب إذ قال: "والأولى الرَّدّ على النحويين، فليس قولهم بحجة عند الإجماع، ومن القُرَّاء جماعة من النحويين، فلا يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القُرَّاء لهم، ولو قُدِّر أن القُرَّاء ليس فيهم نحوي فإنهم ناقلون لهذه اللغة، وهم مشاركون النحويين في نقل اللغة، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القُرَّاء أولى؛ لأنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته عن الغلط في مثله. ولأن القراءة ثبتت متواترة، وما نقله النحويون آحاد، ثم لو سُلِّم أنه ليس بمتواتر فالقراء أعدل وأثبت؛ فكان الرجوع إليهم أولى"، وقد ذكر السيوطي ثلاثة أمثلة توضح بعض القراءة التي دافع عن صحّتها ابن مالك، واحتجَّ بها في إثبات القواعد المستنبطة منها وهي:
المثال الأول: احتجاجه على جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار بقراءة حمزة: "تساءلون به والأرحامِ" (النساء: 1) وبيان ذلك أن سيبويه قال في (الكتاب): "ومما يقبح أن يشركه المظهر علامة المضمر المجرور، وذلك قولك: مررت بك وزيد، وهذا أبوك وعمرو؛ كرهوا أن يشرك المظهر مضمرًا داخلًا فيما قبله" انتهى.
أي: أن عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور بالحرف نحو: مررت بك وزيد، أو بالاسم نحو: هذا أبوك وعمرو، من غير إعادة الجار قبيح، وقد علَّل لذلك بأن الضمير المجرور قد جمع بين أمرين:
أحدهما: أنه لا يتكلم به إلا متصلًا بما قبله من حرف، أو اسم؛ فلا يجوز فصله عما قبله؛ لأنه كالجزء منه.