مراد علماء أصول النحو بالسماع الذي هو الأصل الأول من أصول النحو الغالبة:
فنقول: ذكر السيوطي أنه -يعني: بالسماع- ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل هذا كلام الله تعالى، وهو القرآن الكريم، وهو أفصح كلام وأبلغه، وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو الحديث النبوي الشريف، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظمًا ونثرًا من مسلم أو كافر. فهذه ثلاثة أنواع لا بد في كل منها من الثبوت: أما القرآن الكريم فكل ما ورد أنه قُرئ به؛ جاز الاحتجاج به في العربية، سواء كان متواترًا أم آحادًا أم شاذًّا، فالقرآن الكريم -كما قيل- فوق النحو، والفقه، والمذاهب كلها، فهو الأصل الأصول، ما وافقه فهو مقبول، وما خالفه فهو مردودٌ ومرذولٌ، وذلك أن لغة القرآن الكريم هي أفصح أساليب العربية على الإطلاق، وأن الكتاب أعربُ وأقوى من الشعر، كما قال الفراء -رحمه الله تعالى.
ولقد صدق أبو عمرو الداني المتوفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة من الهجرة حين قال: وأئمة القراءة لا تعمل من القراءات في شيء على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردَّها قياس عربية، ولا فشوّ لغة؛ لأن القراءة سُنة متبّعة فلزم قبولها والمصير إليها، انتهى.
قال السيوطي: "وقد أطبق الناس -يعني: أجمعوا- على الاحتجاج بالقراءات الشاذَّة في العربية إذا لم تُخالف قياسًا معروفًا؛ بل ولو خالفته يُحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه، وإن لم يجز القياس عليه كما يُحتجّ بالمجمع على وروده، ومخالفته القياس في ذلك الوارد بعينه، ولا يقاس عليه نحو: استحوذ، ويأبى".