ذكر السيوطي أن ابن الطراوة قسَّم الألفاظ إلى ثلاثة أقسام: واجب، وممتنع، وجائز. أما الواجب من الألفاظ فرجل وقائم ونحوهما مما يجب أن يكون في الوجود ولا ينفك الوجود عنه أي: لا يصحّ عند العقل عدمه، والممتنع: لا قائم ولا رجل؛ إذ يمتنع أن يخلو الوجود من أن يكون لا رجل فيه ولا قائم، أي: يمتنع نفي وجود ما يجب أن يكون في الوجود، فنفي الواجب ممتنع، والجائز أي: الذي يقبل العقل وجوده وعدمه نحو: زيد وعمرو؛ لأنه جائز أن يكون وأن لا يكون. قال ابن الطراوة: "فكلام مركب من واجبين لا يجوز نحو: رجل قائم؛ لأنه لا فائدة فيه أي: لأن مدلوله لا يغيب عن العقل، فلم تحصل فائدة من الكلام، فكان ممتنعًا، وكلام مركب من ممتنعين أيضًا لا يجوز نحو: لا رجل لا قائم؛ لأنه كذب ولا فائدة فيه أي: لأنه مركب من جزأين كاذبين، فالعقل لا يقبله بحسب العادة، وكلام مركب من ممتنع وجائز لا يجوز، ولا من واجب وممتنع نحو: زيد لا قائم، ورجل لا قائم لأنه كذب؛ إذ معناه لا قائم في الوجود، وكلام مركب من جائزين لا يجوز نحو: زيد أخوك لأنه معلوم، لكن بتأخيره صار واجبًا؛ فصح الإخبار به، لأنه مجهول في حق المخاطب؛ فالجائز يصير واجبًا بتأخيره، ولو قلت: زيد قائم صح. لأنه مركب من جائز وواجب، فلو قدمت وقلت: قائم زيد لم يجز؛ لأن زيد صار بتأخيره واجبًا فصار كلامه مركبًا من واجبين، فصار بمنزلة قائم رجل.
قال أبو حيان: "وهذا مذهب غريب أي: خارج عن قانون العربية، وما قاله -أي: ابن الطراوة-: من أن الجائز يصير بتأخيره واجبًا. ممنوع لأن معناه مقدمًا ومؤخرًا واحد".