بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع
(تعلق الحكم بشيئين أو أكثر، وهل بين العربي والعجمي واسطة؟ وتقسيم الألفاظ، والمراد بالسماع)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فذكر السيوطي أن الحكم النحوي يعني بمفهومه العام الشامل للمفردات والتراكيب، هذا الحكم قد يتعلَّق بشيئين أو أكثر؛ فتارة يجوز الجمع بينهما أو بينها، وتارة يمتنع، فمما يجوز الجمع فيه مسوغات الابتداء بالنكرة، وهي كثيرة جدَّا أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا، وجعلوا مدار صحة الإخبار عن النكرة على حصول الفائدة، لا على ما ذكروه من هذه المسوغات.
فالمتقدمون لم يعولوا في ضابط الابتداء بالنكرة إلا على حصول الفائدة، وكل مسوّغ تتحقَّق به الفائدة؛ يجوز معه الابتداء بالنكرة على انفراده، ولا يمتنع اجتماع اثنين منها فأكثر فقوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (البقرة: 221) وقعت فيه النكرة، وهو كلمة "عبد" مبتدأ، فقال الجمهور: المسوغ للابتداء بالنكرة في الآية الكريمة وصفها بقوله: {مُؤْمِنٌ}. وقال بعضهم: المسوغ لذلك دخول لام الابتداء عليها. ورأى بعضهم أن المسوغ لها إنما هو معنى العموم؛ لأن المراد المفاضلة بين الجنسين، لا بين أفرادهما المخصوصة. ولا مانع من اجتماع هذه المسوغات المصححة للابتداء بالنكرة؛ إذ لا تعارض بينها.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: اجتماع دخول أل المعرفة والتصغير معًا على الاسم الواحد، مع أن كليهما من خواص الأسماء، فأل مما يتميز به الاسم عن قسيميه في أنواع الكلمة: الفعل، والحرف. والتصغير وصف في المعنى، فلا تُوصف إلا الأسماء، ويجوز مع ذلك اجتماعهما، فيقال مثلًا: هذا الرجل، هذا الرجيل أصغر من ذاك الرجيل، وذلك الجبيل أعلى من ذلك الجبيل. وقد والتاء من خواص الأفعال، ويجوز اجتماعهما نحو: قد قامت الصلاة، ومما لا يجوز فيهما