ثالثًا: إن لم يمكن التأويل؛ فإنْ نصَّ العالم في أحد الرأيين على الرجوع عن الرأي الآخر؛ علم أن الرأي الثاني هو رأيه؛ وإن لم ينص العالم على ذلك بحث عن تاريخهما وعمل بالمتأخر، وعلم أن الأول مرجوع عنه؛ فإن لم يعلم التاريخ وجب سبر المذهبين -أي: النظر في دليلهما قوة ودقة- كما وجب البحث عن حال القولين قوة وضعفًا؛ فإن كان أحدهما أقوى نسب إليه أنه قوله إحسانًا للظن به وأن الآخر مرجوع عنه؛ فإن تساويا في القوة وجب أن يعتقد أنهما رأيان له.
فيما رجحت به لغة قريش على غيرها:
إن العرب كانت تحضر مواسم الحج كل عام، وكانت قريش قائمة على أمر البيت الحرام؛ فكانوا يسمعون لغات جميع العرب؛ فيستحسنون ويستقبحون؛ فما استحسنوه من كلام العرب تكلموا به وما استقبحوه تركوه؛ فصاروا أفصح العرب لسانًا؛ لأن لغتهم قد خلت من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ، وقد ذكر علماء العربية كثيرًا من اللغات العربية ووصفوها بالرديء والمذموم ونحوهما من الألقاب التي تدل على استبشاعهم إياها وذكروا أن لغة قريش قد خلت من ذلك كله.
ومما خلت منه لغة قريش:
- الكشكشة: وهي إلحاق كاف المخاطبة المؤنثة شينًا؛ فيقولون: رأيتكِش، والمراد: رأيتكِ، وقد كانت هذه اللغة في ربيعة ومضر.
- والكسكسة: وهي إلحاق كاف الخطاب للمؤنث سينًا عند الوقف؛ فيقولون: أعطيتكِس، وهي لغة هوازن.