أولًا: إذا كان أحد القولين مرسلًا والآخر معللًا؛ كان الأخذ بالقول المعلل أولى لقيام حجته؛ وكان ترك القول المرسل واجبًا لضعفه وعدم قيام حجته.
ومثال ذلك: ما جاء عن سيبويه -رحمه الله- فقد ذكر في غير موضع من كتابه: أن التاء في بنت وأخت للتأنيث؛ فقال في باب النسب في (الكتاب): "وأما بنت؛ فإنك تقول: بنويٌّ -يعني: في النسب- من قبل أن هذه التاء التي هي للتأنيث لا تثبت عند الإضافة كما لا تثبت في الجمع" انتهى.
وقال في باب ما لا ينصرف: إنها ليست للتأنيث، وعلل ذلك بأن ما قبلها ساكن وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكنًا إلا أن يكون ألفًا؛ كفتاة ... ونحوها؛ فالقول بأنها ليست للتأنيث قول معلل، والقول بأنها للتأنيث قول مرسل؛ فكان المصير إلى القول المعلل أولى؛ لقيام حجته وظهور دليله.
وقوله: "إنها للتأنيث" يكون مؤولًا بأن يقال: إنه محمول على التجوز؛ لأن التاء لا توجد في الكلمة إلا في حال التأنيث وتذهب بذهابه.
ثانيًا: إذا كان القولان مرسلين بلا تعليل في أحدهما؛ كان القول المعتمد هو القول الأليق بمذهب صاحب القولين والأجرى على قوانينه.
ومثال ذلك: قول سيبويه: إن "حتى" ناصبة للفعل المضارع، وقوله الآخر: إنها حرف جر؛ فهذان القولان متنافيان؛ لأن أحدهما يجعل "حتى" ناصبة، والآخر يجعلها جارة، والذي يليق بسيبويه ومذهبه النحوي البصري ويجري على القوانين المعتمدة عند البصريين: هو أن تكون "حتى" جارة، ويدل على ذلك أنه عد الحروف الناصبة للفعل المضارع ولم يذكر منها "حتى"؛ فعلم بذلك أن الفعل المضارع بعد "حتى" ليس منصوبًا بها؛ وإنما هو منصوب بأن المضمرة وجوبًا بعدها، وقول سيبويه: "إن "حتى" هي الناصبة للمضارع" فيه تجوز؛ فينبغي الرجوع إلى قوله الذي نص فيه على أنها جارة.