وقد كثرت الأمثلة التي تدل على أنه إذا تعارض الظاهر مع الاحتمال كان القول بالظاهر أولى، ومنها: القول في نون: عنبر، وعنتر، ونحوهما؛ فإن الظاهر هو القول بأن النون فيهما أصلية؛ لأنها وقعت في موضع الأصل، وهو العين في "فعلَلٍ" نحو: جعفرٍ؛ فلما وقعت النون في الموضع الأصل كان الظاهر أنها أصلية، ويجوز أن يحكم على النون بأنها زائدة؛ كما قيل بزيادتها في: "عنْسَلٍ"، وهي الناقة السريعة؛ فإن النون فيها زائدة قطعًا ويدل على زيادتها الاشتقاق من العسلان: وهو إسراع الذئب في مشيته؛ فحكموا بأن وزنه: "فنْعل"، مع عدم هذا الوزن في أبنيته؛ وإنما أوجبوا أن يكون "عنْسل" على وزن "فنعل"؛ لأن الاشتقاق دال عليه، وهذا هو الأصح وبه جزم سيبويه في كتابه: فقال: "ومما جعلته زائدًا بثبت العنسل لأنهم يريدون العسول" انتهى.
وقوله: "يريدون العسول" معناه: زيادة النون.
أما الموضع الثاني؛ فهو باب في الحمل على الظاهر، وإن أمكن أن يكون المراد غيره، ومعنى ما ذكره ابن جني في هذا العنوان: أن الشيء يجب حمله على ظاهره وإن كان ممكنًا من جهة العقل أن يكون باطنه بخلاف هذا الظاهر.
وقد وصف ابن جني القول بذلك بأنه المذهب، وبأن العمل عليه، وبأن الوصية به، ثم ذكر مثالًا يدل على عناية علماء العربية بالظاهر، وهو: حمل سيبويه كلمة سِيد -وهو الذئب أو الأسد- على أن عينه ياء؛ فوضعه في (الكتاب) في باب: تحقير كل اسم كان ثانيه ياء تثبت في التحقير؛ فالظاهر من حاله أن تكون عينه ياء؛ ولذلك قال سيبويه في تصغيره: سُيَيْد -بضم أوله؛ لأن التصغير يضم أوائل الأسماء- وهو لازم له كما أن الياء لازمة له. ثم ذكر سيبويه أن من العرب من يكسر أوله فيقول: سِيَيْد؛ كراهية الياء بعد الضمة.