الماضي فقد ذهب جمهور النحويين من البصريين والكوفيين إلى أنه لا يجوز إعماله؛ فلا يجوز: "هذا ضاربٌ زيدًا أمسِ"؛ بل يجب أن يقال: "هذا ضاربُ زيدٍ أمسِ"، بالإضافة على سبيل الوجوب؛ لأنه فقد الشبه بالفعل المضارع في المعنى.

وخالف في ذلك الكسائي وحده؛ فأجاز إعمال اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، ويجوز لمن يرى إعمال اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي -كالكسائي ومن سار على دربه واتبع نهجه- أن يستدل على صحة رأيه ببيان العلة؛ فيقول: إن العلة التي من أجلها عمل اسم الفاعل عمل فعله: هي أنه يساوي فعل المضارع في حركاته وسكناته؛ فقولنا: يضرب، يساوي قولنا: ضارب، في الحركات والسكنات، وقولنا: يضرب، يساوي قولنا: ضارب، في الحركات والسكنات أيضًا ... وهكذا؛ فهو جارٍ على الفعل في حركاته وسكناته، وهذه العلة موجودة في اسم الفاعل، أي: أنه يجري على حركات المضارع وسكناته، يوافقه في حركاته وسكناته؛ سواء أكان بمعنى الماضي، أم كان بمعنى الحال، أم كان بمعنى الاستقبال، وإذا كان الأمر كذلك صح أن يعمل اسم الفاعل عمل فعله في الزمن الماضي لوجود العلة فيه؛ وبذلك يكون بيان العلة دليلًا يثبت به حكم من الأحكام، وهو: إعمال اسم الفاعل في الماضي.

وإذ انتهينا من معرفة أن بيان العلة يكون بيانًا يثبت به إعمال اسم الفاعل في الماضي؛ يحسن بنا أن نشير إلى أن الراجح في هذه المسألة هو مذهب الجمهور، وأن مذهب الكسائي مرغوب عنه؛ لأن اسم الفاعل قد عمل عمل فعله لمجموع أمرين؛ وهما: المعنى، والشبه له من جهة اللفظ؛ فقولنا: هذا مكرمٌ عمرًا غدًا؛ فـ"مكرمٌ" بمنزلة "يكرم" في المعنى؛ بحيث يمكن إحلال الفعل "يكرم" محله، والمعنى -أي: من ناحية الزمن- يكون واحدًا، وهو مثله في اللفظ أيضًا، لا فرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015