والجواب: أن يبين -أي: البصري- أن ما توهمه -أي: الكوفي- دليلًا لم يوجد؛ فيبقى التمسك باستصحاب الحال صحيحًا". انتهى.

وقد نقل السيوطي هذا الكلام ولم يعلق عليه بشيء، وفيه إجمال يحتاج إلى تفصيل يكشف، وتفصيل القول في هذا الكلام: أن نقول: إن البصريين يذهبون إلى أن فعل الأمر مبني، ولهم أن يستدلوا على صحة مذهبهم باستصحاب الأصل؛ لأن الأصل في الأفعال البناء، وقد يعترض الكوفيون على مذهب البصريين بأن يقولوا: إن استصحاب الحال -وهو البناء- قد زال عن فعل الأمر الذي استدل به البصري، والدليل على زوال استصحاب الحال من فعل الأمر: أن فعل الأمر ليس قسمًا برأسه؛ وإنما هو مأخوذ من الفعل المضارع ومقتطع منه، ولما كان فعل الأمر مأخوذًا من المضارع، والمضارع معرب لأنه أشبه الاسم؛ كان فعل الأمر كذلك معربًا بالشبه؛ فيقال: إن "اضرب" فعل معرب؛ لأن أصله "لِتضربْ"، ثم حذفت اللام -أي: لام الأمر- ثم حذف حرف المضارعة، ثم جيء بهمزة الوصل توصلًا إلى النطق بالساكن. هذا ما يمكن أن يورده الكوفي اعتراضًا على دليل البصري.

فيجيب عنه البصري بأن: ما توهمه الكوفي دليلًا على إعراب فعل الأمر، وهو أنه مأخوذ من الفعل المضارع ومقتطع منه؛ لم يوجد؛ بل هو نوع مستقل على حدة، وحينئذ يبقى التمسك بالاستصحاب، واستصحاب الحال فيه: هو أصل البناء في الفعل.

والخلاصة: أن استصحاب الحال، مع أنه قد جعل أحد الأدلة الأربعة الغالبة من الأدلة التي تعد أصولًا للنحو العربي؛ فإنه يعد أضعف هذه الأدلة؛ لأنه إنما يعتمد عليه في حالة عدم وجود دليل يعارضه؛ أما إذا وجد دليل يعارضه؛ فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015