الأسماء تعتورها المعاني؛ فتكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافًا إليها، ولم تكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني؛ فجُعل الإعراب دليلًا على هذه المعاني؛ فتبين من ذلك أن العرب يفرقون بالإعراب بين المعاني المختلفة؛ كما تبين أن الإعراب أصل في الأسماء؛ ولما كان الإعراب أصلًا في الأسماء؛ لم يجُز أن يبنى شيء من الأسماء حتى يوجد ما يوجب البناء.

وقد ذكر أبو البركات الأنباري ما يوجب البناء في بعض الأسماء فقال: "وما يوجب البناء في الأسماء هو شبه الحرف أو تضمن معنى الحرف؛ فشبه الحرف في نحو: الذي، وتضمن معنى الحرف في نحو: كيف". انتهى.

ومعنى ما ذكره الأنباري: أن هناك أمرين يوجبان بناء بعض الأسماء:

أحدهما: أن يشبه الاسم الحرف.

والآخر: أن يتضمن الاسم معنى الحرف.

فمثال الأول: "الذي"؛ فإنه مبني لأنه أشبه الحرف في الافتقار اللازم، أي: في كونه مفتقرًا إلى ما يفسر معناه ويبينه؛ فكما أن الحرف يفتقر إلى ما بعده؛ فكذلك الأسماء الموصولة وضعت على الافتقار في فهم معانيها إلى صِلتها؛ فلا يؤتى بها دون أن يؤتى بما يبينها؛ كما أن الحروف كذلك.

ومثال الثاني: "كيف"، فقد ذكر الأنباري أن علة بنائه هي أنه تضمن معنى الحرف، ويطلق المتأخرون من النحاة على هذا التضمن اسم "الشبه المعنوي"، ومعناه: أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف؛ فقد يشبه الاسم حرفًا موجودًا، وقد يشبه حرفًا غير موجود؛ فمثال ما أشبه حرفًا موجودًا: "كيف"؛ فإنها تستعمل للاستفهام، وهي تشبه حرفًا موجودًا -وهو الهمزة- ومثال ما أشبه حرفًا غير موجود: "هنا"؛ فإنها مبنية لأنها تدل على الإشارة، والإشارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015