ولم يستعمل أحد من النحاة قبل الأنباري هذا المصطلح، ولا يعني هذا عدم استدلالهم به؛ فقد قيل: إن سيبويه قد استدل بهذا الدليل في مواضع كثيرة من كتابه، وإن لم يصرح به ولم يسمه استصحاب الحال أو استصحاب الأصل، ومن هذه المواضع: ما جاء في قوله تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43، 44) فقد ذهب سيبويه في (الكتاب) إلى أن "لعل" على بابها من الترجي، وأن الترجي في حق موسى وهارون -عليهما السلام- وأن المعنى: اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم؛ ففي كلام سيبويه إبقاء ما كان على ما كان، أي: إبقاء "لعل" على معناها الأصلي، وهو: الترجي؛ فبقي حال اللفظ على ما يستحقه ولم ينتقل عن أصله لعدم الدليل. وهذا هو الاستصحاب وإن لم يسمه سيبويه باسمه.
وإذا كان سيبويه قد استدل باستصحاب الحال في كتابه؛ فقد اقتفى أثره الزجاجي في كتابه (الإيضاح في علل النحو) وابن جني في كتابه (الخصائص)؛ أما الزجاجي؛ فقد ذكر أن الحروف كلها مبنية ولا يعرب شيء منها، وعلل ذلك بأن أصلها البناء ولم يوجد دليل يخرجها عن أصلها؛ فوجب إبقاؤها على ما كانت عليه، وقال: بقيت الحروف كلها على أصولها مبنية؛ لأنها لم يعرض لها ما يخرجها عن أصولها. انتهى.
فقد استدل الزجاجي باستصحاب الأصل دون أن يسميه.
وأما ابن جني فقد أفرد في كتابه (الخصائص) بابًا عنوانه: باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدع داعٍ إلى الترك والتحول، ومعنى ما ذكره ابن جني في هذا الباب: أن اللفظ يبقى على ما يستحقه ولا ينتقل عنه إلا بدليل، وضرب ابن جني مثلًا بحرف العطف "أو"؛ فإنه في الأصل موضوع للدلالة على