ونصب المفعول، فيذهب قوم إلى شيء وآخرون إلى غيره؛ فيجب إذًا تأمل القولين واعتماد أقواهما ورفض الآخر؛ فإن تساويا في القوة لم ينكر اعتقادهما جميعًا؛ فقد يكون الحكم الواحد معلولًا بعلتين.
ونقل السيوطي عن أبي البركات الأنباري أنه ذكر في (لمع الأدلة): أن العلماء اختلفوا في تعليل الحكم بعلتين فصاعدًا؛ فذهب قوم إلى أنه لا يجوز؛ لأن هذه العلة -أي: النحوية- مشبهة بالعلة العقلية، والعلة العقلية لا يثبت الحكم معها إلا بعلة واحدة، أي: لأنها مؤثرة، ولا يوجد أثر واحد لمؤثرين؛ فذلك ما كان مشبهًا بها.
وذهب قوم إلى أنه يجوز أن يعلل بعلتين فصاعدًا، وذلك مثل أن يدل على كون الفاعل ينزل منزلة الجزء من الفعل بعلل متعددة:
الأولى: أنه تسكن له لام الفعل إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، نحو: ضربت وضربنا وضربن.
والثانية: أنه يمتنع العطف عليه إذا كان ضميرًا متصلًا بينه وبين ما عطف عليه بشيء؛ كالفصل بالضمير المنفصل مثل: لقد اجتهدتَ أنتَ وإخوانُك؛ فما بعد الواو معطوف على الضمير المرفوع المتصل الواقع فاعلًا في محل رفع، وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل -وهو: أنت- والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالضمير المتصل، ومن ذلك قول الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: 35) فـ"زوجك" معطوف على الضمير المستتر في {اسْكُنْ}، وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل أنت أيضًا؛ وإنما اشترط الفصل لأن الضمير المرفوع المتصل أو المستتر كالجزء من عامله لفظًا ومعنًى ولا يعطف على جزء الكلمة؛ فإذا فصل بينه وبين ما عطف عليه بفاصلٍ ما حصل له نوع من الاستقلال.