قوم يتلاقون بينهم مسائل أبنية التصريف -أي: يلقي بعضهم على بعض أسئلة عن هذه الأبنية- نحو قولهم في مثال: صمحْمَح، ومن الضرب: ضربْرَب، ومن القتل: قتلْتَل، ومن الأكل: أكلْكَل، ومن الشرب: شربْرَب، ومن الخروج: خرجْرَج، ومن الدخول: دخلْخَل، ومن مثل سفرجل من جعفر: جعفرَر ... ونحو ذلك؛ فقال لك قائل: بأي لغة يتكلم هؤلاء؟ لم تجد بدًّا من أن تقول بالعربية وإن كانت العرب لم تنطق بواحد من هذه الحروف". انتهى.

وذكر ابن جني في (الخصائص): أن الأصمعي قال له الخليل: إن رجلًا أنشده:

ترافع العز بنا فارفنْعَعا

فقال الخليل للمنشد: هذا لا يكون! فتعجب الأصمعي وقال للخليل: كيف جاز للعجاج أن يقول:

تقاعس العز بنا فاقعنْسَسا

يعني: أن المنشد قد قاس إنشاده وبنى "فارفنععا" على قول العجاج في أرجوزته: "فاقعنسسا"؛ فلم منعته؟ قال ابن جني موضحًا ظاهر ما تدل عليه هذه القصة: فهذا يدل -يعني بظاهره- على امتناع القوم من أن يقيسوا على كلامهم؛ ألا ترى إلى قول الخليل وهو سيد قومه وكاشف قناع القياس في علمه؛ كيف منع من هذا؟! ولو كان ما قاله أبو عثمان يعني قوله: ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم، وصحيحًا ومذهبًا مرضيًّا لما أباه الخليل ولا منع منه.

وقد أجاب ابن جني عن هذا بعدة أوجه، وخلاصة هذه الأوجه: أن الأمر ليس كما يظهر منه؛ فالأصمعي لم يقف على القصة بحذافيرها؛ فهو ليس ممن ينشط للمقاييس ولا لحكاية التعليل ومعروف بقلة انبعاثه في النظر، وتوفره على ما يُروى ويُحفظ، فمن الجائز أن الخليل قد أمسك عن شرح الحال له لمعرفته بهذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015