منهما وجد التناقض في الحكم، وذلك لا يجوز؛ مثال ذلك: "أنْ" الخفيفة المصدرية تشبه أصلين مختلفين تشبه "أنَّ" المشددة من وجه وتشبه ما المصدرية من وجه، و"أنَّ" المشددة معملة؛ فهي تنصب المبتدأ وترفع الخبر و"ما" المصدرية غير معملة؛ فلو حملنا "أنْ" الخفيفة المصدرية على "أنَّ" المشددة في العمل وعلى "ما" المصدرية في ترك العمل؛ لأدى ذلك إلى أن يكون الحرف الواحد معملًا وغير معمل في حال واحدة، وذلك محال.
وبعد انتهائه من الاعتراضات الثلاثة السابقة أورد الأجوبة عليها على النحو الآتي:
أما قولهم في الوجه الأول: "إنه لو جاز حمل الشيء على الشيء بحكم الشبه؛ لما كان حمل أحدهما على الآخر بأولى من صاحبه"؛ فظاهر الفساد؛ وذلك لأن الاعتبار في كون أحدهما محمولًا على الآخر أن يكون المحمول خارجًا عن أصله إلى شبه المحمول عليه، أي: أن يكون المقيس خارجًا عما هو الأصل في بابه إلى شبه المقيس عليه؛ فالمحمول -وهو المقيس- صار أضعف لخروجه عن أصل بابه إلى شبه المحمول عليه وهو المقيس عليه؛ والمحمول عليه أقوى؛ لأنه باقٍ على أصله ولم يخرج إلى شبه المحمول؛ فلما وجب حمل أحدهما على الآخر كان حمل الأضعف على الأقوى أولى من حمل الأقوى على الأضعف.
وعلى هذا الاعتبار يخرج ما ذكرتموه من حمل الاسم على الحرف في البناء دون حمل الحرف على الاسم في الإعراب.
وبيان ذلك: أن الاسم لما خرج عما هو الأصل في بابه وهو الإعراب ضعُف في بابه؛ في حين أن الحرف لم يخرج عما هو الأصل في بابه -وهو البناء- فلم يضعف؛ فكان حمل الاسم على الحرف في البناء لضعفه في بابه ونقله عن أصله