فكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: علمه الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها"، وأجاب ابن فارس على ما قد يوجه إلى هذا المذهب من اعتراض مضمونه: لو كان ذلك كما تذهب إليه لقال الخالق -تبارك وتعالى-: "ثم عرضهنَّ"، أو "ثم عرضها"، لكنه سبحانه قال: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} (البقرة: 31) فمنطوق الآية يدل على أن المعروض عليهم جماعة العقلاء، أي: أعيان بني آدم أو الملائكة؛ لأن موضوع الضمير في كلام العرب أن يقال لمن يعقل: عرضهم، ولما لا يعقل: عرضها أو عرضهنّ.
وقد أجاب ابن فارس بأن ما ورد في الآية الكريمة جاء مطابقًا لسنّة من سنن العرب في كلامهم؛ فمن سنن كلامهم ما يُعرف بالتغليب، فهم يغلّبون على الشيء ما لغيره لاختلاط بين الشيئين، فإذا اختلط جمع ما لا يعقل بجمع من يعقل غُلّب جمع من يعقل كقول الله -تبارك وتعالى-: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (النور: 45) فقال تعالى: {فَمِنْهُمْ} تغليبًا لمن يمشي على رجلين، وهم بنو آدم، وأشار ابن فارس إلى أنه ليس معنى أن اللغة توقيفية أنها جملة واحدة في زمان واحد، بل وقف الله -عز وجل- آدم -عليه السلام- على ما شاء أن يُعلّمه إيَّاه في زمانه، ثم علَّم بعده من عرب الأنبياء -صلوات الله عليهم- نبيًّا نبيًّا ما شاء أن يعلمه، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فآتاه الله ما لم يؤتِه أحدٌ قبله، ثم قر الأمر قراره، فلا نعلم لغةً حدثت بعده. وقال السيوطي: "ومال إلى هذا القول ابن جني، ونقله عن شيخه أبي علي الفارسي وهما من المعتزلة".
والمذهب الثاني: أنها اصطلاحية وضعها البشر، وهو مذهب أبي هاشم الجبائي المعتزلي المتوفى ببغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة من الهجرة، ثم اختلف