بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(اللغة: وضع أم اصطلاح؟ ومناسبة الألفاظ للمعاني)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنتعرف فيه على إجابة هذا السؤال:
اللغة: أهي من وضع الله تعالى أم من وضع البشر وعلى مناسبة الألفاظ للمعاني، وعلى الدلالات النحوية؟
اختلف العلماء اختلافًا طويلًا في بيان واضع اللغة، وقد عقد ابن جني بابًا في (الخصائص) عنوانه: باب القول على أصل اللغة، أإلهام هي أم اصطلاح؟ وقال في صدارة هذا الباب، "هذا موضع مُحوج إلى فضل تأمّل" وهي عبارة توحي بأنه موضوع دقيق يحتاج إلى شدَّة معاناة، وإمعان نظر؛ ولذلك اختلف العلماء قديمًا وحديثًا فيه، وتنوعت آراؤهم، وتعددت مذاهبهم، ومع ذلك -كما قيل- لم يصل في بحثهم إلى نتائج يقينية، بل كان جُلّ آرائهم يصطبغ بالصبغة الشخصية ولم يتجاوز مرحلة الظن والحدس والتخمين، ونسوق هنا أشهر هذه المذاهب في ضوء ما أورده السيوطي منها:
المذهب الأول: مذهب الوحي والإلهام، أو هو مذهب التوقيف، وهو أن اللغة بوضع الله -تبارك وتعالى- علمها الله تعالى نبيه آدم -عليه السلام- ووقَّف عليها عباده، وهذا المذهب منسوب إلى الأشعري، وهو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق المتوفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة، وقد اختار هذا المذهب جماعة من العلماء، منهم: أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي المعروف المتوفى سنة خمس وتسعين وتسعمائة من الهجرة، وبسط القول في كتابه المسمى بـ (الصاحبي) في توضيح هذا الرأي، وبيان الأسباب التي دعته إلى اختياره، فذكر: "أن دليل ذلك قول الله -جل ثناؤه-: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31)