وقد أجاب العكبري عن هذا بقوله: الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن هذا إجماع مستفاد من السكوت؛ وذلك أنهم لم يصرحوا بالمنع من قول ثالث؛ وإنما سكتوا عنه، والإجماع: هو الإجماع على حكم الحادثة -أي: النازلة- التي يقع البحث فيها قولًا -أي: مقولًا- منصوصًا مصرحًا به.
والثاني: أن أهل العصر الواحد إذا اختلفوا على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث. هذا معلوم من أصول الشريعة، وأصول اللغة محمولة على أصول الشريعة. انتهى.
ومعنى ما ذكره أبو البقاء: أن الإجماع المعتد به عنده، والذي لا يجوز خرقه لا تجوز مخالفته: هو الإجماع القولي الذي لا يكتفي فيه العلماء بالسكوت؛ وإنما يكون بالقول الصريح؛ كما يفهم من كلامه أن جواز إحداث قول ثالث في مسألة ذكر العلماء فيها قولين.
وقوله: "جاز لمن بعدهم" يريد من بلغ منزلة المتقدمين ووصل إلى رتبتهم في النظر والاجتهاد؛ كأبي علي الفارسي المتوفى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة؛ فإنه قد بلغ من الاجتهاد في علوم العربية مبلغًا عظيمًا سوغ له أن يستنبط، ومن ذلك: ما جوَّزه من إدخال الألف واللام على لفظة "كل" مع منع السابقين لذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.