ونقف في هذا النص على قضيتين تتعلق إحداهما بعلم النحو وتتعلق الأخرى بأصول النحو:
أما الأولى: فهي نصب خبر "ما" الحجازية إذا تقدم على اسمها؛ فمن المقرر في علم النحو: أنه يشترط في إعمال "ما" عمل "ليس" في لغة أهل الحجاز شروط؛ منها: بقاء الترتيب بين الناسخ واسمه وخبره بألا يتقدم خبرها على اسمها نحو: ما زيدٌ قائمًا؛ فإن تقدم الخبر على الاسم بطل إعمال "ما"؛ فيقال: ما قائمٌ زيدٌ، بالرفع، وقد أعمل الفرزدق -وهو تميمي- "ما" عمل "ليس" مع توسط الخبر بين الناسخ واسمه، وهو أمر لا يكاد يعرف -كما قال سيبويه في (الكتاب).
وتسلمنا هذه القضية النحوية إلى القضية الثانية الأصولية: وهي أن العرب الذين سمعوا الفرزدق لم ينكروا عليه هذا القول؛ فأخذ من إقرار سامعيه وعدم إنكارهم عليه أنه إجماع سكوتي تقوم به الحجة على جواز مثل هذا التركيب، وذكر بعض النحاة أنه ليس في كلام الفرزدق دليل على جواز هذا التركيب؛ لأن الفرزدق من بني تميم وهم يهملون "ما" مطلقًا، وقد أراد أن يتكلم بلغة الحجازيين -أي: بإعمال "ما"- فغفل عن شرط عملها -وهو مراعاة الترتيب- فأخطأ في التعبير، فما في كلامه خطأ لا يستدل به.
هذا حاصل ما ذكره المانعون، وقد رده ابن مالك بما سبق ذكره.
وقد ساق السيوطي كلام ابن مالك -رحمه الله- ليستدل به على إثبات الإجماع السكوتي، وتحقيق الأمر: أن ليس فيما ذكر دليل على هذا الإجماع؛ إذ لا يلزم من سكوتهم جواز ما ذكر؛ لأن في البيت تخريجات أخرى يحسن بنا أن نذكرها إتمامًا للفائدة، وردًّا على السيوطي في دعواه:
إن قول الفرزدق: "وإذا ما مثلَهم بشر" ذكر فيه العلماء توجيهات متعددة: