وقد ضرب السيوطي مثلًا يُستدل به على عدم جواز خرق الإجماع؛ فنقل عن ابن الخشاب قوله: "لو قيل: إن "مَن" في الشرط لا موضع لها من الإعراب لكان قولًا؛ إجراء لها مجرى إن الشرطية، وتلك لا موضع لها من الإعراب؛ لكن مخالفة المتقدمين لا تجوز". انتهى.
ومعنى ما قاله ابن الخشاب: أن هناك من الآراء ما يكون صحيحًا مستقيمًا عند النظر؛ ولكن يحول بينه وبين قبوله ما فيه من مخالفة المتقدمين، ومن أمثلة ذلك: "مَن" الشرطية؛ فإن لها في الإعراب محلًّا، ولو أن قائلًا قال: بأن ليس لها محل من الإعراب حملًا لها على "إنْ" الشرطية لكان قوله مستقيمًا؛ فمن القواعد المقررة في علم النحو جواز حمل الشيء على الشيء إذا أشبهه في لفظه أو معناه أو فيهما معًا، وقد أشبهت "مَن" الشرطية "إنْ" الشرطية في معناها، ومع استقامة هذا القول من جهة النظر؛ فإنه لا يجوز القول به لما فيه من مخالفة المتقدمين وخرق إجماعهم، ولما كان الإجماع معتبرًا عند غير ابن جني؛ فإنهم لم يلتفتوا لمن خالف ذلك منهم؛ بل رد المتأخرون كل ما فيه خرق لإجماع النحويين، والأمثلة على هذا الرد كثيرة نجتزئ منها بأربعة أمثلة تكشف لنا عن عناية المتأخرين بالإجماع وعده أصلًا من الأصول المعتبرة التي يعول عليها وردهم قول من خرقه أو خالفه.
ونلحظ في الأمثلة الآتية أنها تختلف عن المثال الذي ذكره ابن الخشاب في (المرتجل) ونقله عنه السيوطي في (الاقتراح)؛ لأن ما ذكره ابن الخشاب لم يقل به أحد من النحويين؛ وإنما افترضه افتراضًا؛ ليدل به على وجوب احترام ما أجمع عليه النحويون.
أما الأمثلة الآتية؛ فقد وقع فيها بالفعل خرق لإجماع النحويين: