لقد نقل السيوطي عن بهاء الدين بن النحاس أنه لا دليل فيه؛ فقال: "قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة): النقل عن النفي فيه شيء؛ لأن حاصله أنني لم أسمع هذا، وهذا لا يدل على أنه لم يكن" انتهى قول ابن النحاس.

وقوله: "فيه شيء" أي: فيه بحث ومناقشة، وقوله: "لا يدل على أنه لم يكن" أي: أن نفي العلم لا يدل على نفي الوجود.

ولم يعلق السيوطي -رحمه الله- على القول الذي نقله؛ مما يرجح أنه يرى الرأي نفسه ولا يخالفه.

وتحقيق الأمر في هذه المسألة أن يُنظر في حال القائل، فإن لم يكن واسع الاطلاع غزير المعرفة؛ لم يكن في كلامه دليل على نفي الوجود، بل كان كلامه دليلًا على عدم معرفته هو، وعدم اطلاعه على ما ذُكر، ربما يكون غيره ممن اتسعت روايتهم، وكثر اطّلاعهم قد عرف ما غاب عن صاحبه. أما إذا صدر هذا القول عن إمام نحرير متتبع لكلام العرب، واسع الاطلاع؛ كان قوله بمنزلة التصريح بعدم ورود ذلك.

نظير ذلك ما قاله المحدثون في مثله، فإنهم قد صرَّحوا بأنه إذا قال الحافظ النقاد في حديث ما: لا أعرفه، فمعناه: لا أصل له. ولأبي الأسود الدؤلي كلام صريح في هذا الأمر ذكره ابن فارس: أنه بلغه عن أبي الأسود أن امرأ كلَّمه ببعض ما أنكره أبو الأسود، فسأله أبو الأسود عنه فقال: هذه لغة لم تبلغك. فقال له: يا ابن أخي إنه لا خير لك في ما لم يبلغني. فعرفه بلفطف أن الذي تكلم به مختلق، ومعنى ما ذكره أبو الأسود أن العالم المتتبع لكلام العرب إن نفى شيئًا كان نفيه دليلًا على عدم وجوده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015