أما الوصل فيُوجب إثبات واوه في اللفظ لا في الكتابة: كلقيته أمس، وأما الوقف فيوجب الإسكان: كلقيته وكلمته، ولما كان قول الشاعر: "كأنه" في البيت السابق على غير مذهب الوصل هو مذهب الوقف؛ تعيَّن أن يكون ذلك ضرورة لا لغة.

وإذ انتهينا إلى أن اجتماع لغتين فصاعدًا كثير في كلام الفصحاء يجدر بنا أن نتساءل: كيف اجتمعت اللغتان في كلام الفصيح؟

وللإجابة عن هذا التساؤل لا بد من النظر في حال المتكلم الفصيح الذي اجتمعت لغتان في كلامه. فإما أن تكون اللغتان اللتان اشتملا عليهما كلامه متساويتين في كثرة استعمالهما، أو لا، فإن كانت اللفظتان في كلامه متساويتين في الاستعمال ففي اجتماع الكلمتين احتمالان:

الأول: أن تكون القبيلة التي ينتمي إليها هذا المتكلم قد اصطلحت على وضع اللفظتين لمعنًى واحد.

والثاني: أن تكون إحدى اللفظتين من لغة القبيلة التي ينتمي إليها هذا المتكلم، ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى وطال بها عهده وكثر استعماله لها؛ فلحقت لطول المدة واتصال الاستعمال بلغته الأولى، وأقرب هذين الاحتمالين إلى الصحة، وأحقهما بالقبول هو الأول؛ لأن العرب قد تضع الألفاظ الكثيرة للمعنى الواحد وهو الترادف؛ فرارًا من التكرار وإعادة اللفظ بعينه، والداعي إلى ذلك أمران:

أحدهما: الحاجة إليه في أوزان أشعارها.

والآخر: لأن العرب تفرُّ من التكرار وإعادة اللفظ بعينه لما فيه من استكراه السامع، والثقالة على المستمع. أما إيراد المعنى الواحد في قوالب مختلفة من الألفاظ فقد نبَّه أئمة الأدب على عدِّه من التفنن العجيب والتصرف الغريب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015