والاختلاف، فبرز في العراق ما سمي أخيرا بمدرسة أهل الرأي، وبرز في المدينة ما عرف بمدرسة أهل الحديث (?). وكان طلاب الفتوى يترددون بين علماء هذا الاتجاه أو ذاك، وربما سأل بعضهم في النازلة أكثر من عالم من غير أن ينكر هؤلاء أو أولئك على عوام الناس سؤالهم لمن يثقون به.
وكان في كل بلد من حواضر الإسلام علماء يرجع إليهم الناس في الفتيا والقضاء، ولهؤلاء العلماء طلاب تأثروا بمنهجهم واقتفوا آثارهم وربما التقى العلماء فتناظروا وأدلى كل منهم بحجته، فإما أن يرجع أحدهم إلى قول صاحبه أو يبقى على رأيه لقناعته بصحته لا حبا في الخلاف، وربما التقى الطلاب فتفاخر كل منهم بأستاذه ومعلمه.
وفي هذه الأثناء بدأ التعصب لرأي الشيخ والإعجاب به يطغى على الإنصاف عند بعض الطلاب، ولم تكن هناك قواعد يرجع إليها لوزن الآراء ومعرفة الراجح منها والمرجوح.
وفي هذا الوقت كثر اختلاط العجم بالعرب، وضعف اللسان العربي، ودخل الوضع في الحديث لنصرة مذهب سياسي أو لتأييد رأي، وتصدر للرواية من لم يكن أهلا، واحتاج القرآن إلى تفسير وإيضاح، واحتاجت السنة إلى تمييز الصحيح منها عن الضعيف.
ولذلك كله شرع الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في وضع قواعد تضبط الاستدلال، وتبين ما يصلح دليلا وما لا يصلح، وتبين عمل الفقيه عند تعارض الأدلة عنده، وتؤسس قواعد الفهم لنصوص الكتاب والسنة، فكتب الرسالة، وجعلها بمثابة مقدمة لكتاب الأم، فتلقاها أكثر الناس بالقبول وأعجبوا بها