وقولنا: المتعلق بأفعال المكلفين (أو العباد على ما هو الأولى)، يخرج كل خطاب من الله جل وعلا تعلَّق بما عدا ذلك، كالخطاب المتعلق بما لا يعقل من وصف للكون وما فيه من جبال وأشجار وأنهار وشمس وقمر ونحو ذلك، كقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات 47 - 48]، وكذلك ما ورد من ذكر أحوال الماضين كقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} [الفجر 7 - 11] فهذه الآيات وأمثالها ليست بالنظر إلى ذاتها حكما شرعيا، ولكن إذا ضم إليها ما ورد من الأمر بالتصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي وما ورد من وجوب الاعتبار في أحوال الماضين والاتعاظ بما جرى لهم صارت متعلقة بأفعال المكلفين فتكون حكما.
وكذلك الآيات المتعلقة بذوات المكلفين كأصل خلقهم الوارد في قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه 55] وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص 71]، فمن حيث إنها متعلقة بذوات المكلفين لا يصدق عليها تعريف الحكم، ولكن إذا ضممنا إلى ذلك ما أراده الله جل وعلا وأمر به من وجوب شكر النعمة صارت أحكاما. ولهذا المعنى قال بعض العلماء إن جميع آيات القرآن الكريم تستنبط منها أحكام شرعية، وأنكروا على من حصر آيات الأحكام في خمسمائة آية أو نحوها.
وقولهم: (بالاقتضاء)، المراد بالاقتضاء: الطلب، سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك.
وطلب الفعل نوعان: طلب الفعل طلبا جازما، وهذا يسمى إيجابا، وطلب