وهذا التفسير أولى من تفسير بعضهم للخطاب بأنه الكلام النفسي؛ لأن إطلاق هذا اللفظ يجر إلى الوقوع في مذهب القائلين إن كلام الله ليس هو اللفظ المسموع، بل هو معنى قائم بذاته، وأن القرآن المسموع عبارة عن كلام الله وليس كلام الله. وهذا مردود بقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة 6]. فإنه يدل على أن كلام الله هو ذلك اللفظ المسموع المقروء، وما تضمنه من المعنى المراد لله جل وعلا.
ولا يمكن تفسير الخطاب هنا بأنه كلام الله بلفظه ومعناه؛ لأنه حينئذ لا يشمل إلا الخطاب الوارد في القرآن فيخرج ما دلت عليه السنة وما دل عليه الإجماع والقياس وغيرهما من الأدلة؛ لأن لفظها ليس من الله.
وقولهم: (المتعلق بأفعال المكلفين)، أي: الذي له ارتباط بأفعال المكلفين من جهة كونها مطلوبة أو غير مطلوبة، ومن جهة صحتها وفسادها وما يتبع ذلك.
وأفعال المكلفين: كل ما يدخل تحت قدرة المكلف، فتشمل الأعمال القلبية، وأعمال الجوارح فيدخل في ذلك إيجاب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، كما تدخل أفعال الجوارح من صلاة وحج وزكاة ونحو ذلك.
وتشمل الإقدام على الفعل والكف عنه، فيدخل إيجاب الصوم الذي هو كف عن الطعام والشراب والجماع بنية، كما يدخل إيجاب الصلاة التي هي عبارة عن أفعال وأقوال مخصوصة.
والمراد بالمكلفين: من توافرت فيهم شروط التكليف الآتي ذكرها. والأولى أن يعبر بلفظ العباد؛ ليشمل المكلف وغيره؛ لأن من الأحكام ما يتعلق بالصغير والمجنون، وليسا مكلفين.