والنوع الثاني: الإرادة الشرعية: وهي بمعنى المحبة، وهذه تكون مع الأمر لا تفارقه، فما أمر الله به عباده فهو يحب أن يقع، ولكنه قد يقع فعلا أولا يقع تبعا لتقدير الله وإرادته الكونية، وهذه هي التي نظر إليها المعتزلة فقالوا من شرط الأمر الإرادة.
وتبين من هذا أن خطأ الفريقين جاء من جهة ظنهم أن إرادة الله واحدة لا تنقسم إلى هذين القسمين.
ويمكننا أن نصحح ما قاله الأشعرية من أن الأمر ليس من شرطه إرادة الآمر؛ أما الإرادة الكونية فواضح عدم التلازم بينها وبين الأمر، وأما الإرادة الشرعية فهي تابعة للأمر، فالأمر يستلزم الإرادة الشرعية ويدل عليها، فلا تكون شرطا في تسميته أمرا؛ لأن الشرط ينبغي أن يعلم تقدمه على المشروط، ولأن الشرط في اللغة العلامة، والإرادة خفية لا نعرفها إلا بالأمر فلا يصح جعلها شرطا في صحة الأمر.
والجميع متفقون على أن السيد لو أمر عبده بذبح الشاة للضيف مثلا، وهو لا يريد منه أن يفعل ذلك أنه يعد آمرا له عند جميع العقلاء العارفين باللغة، فلا لوم على العبد لو فعل، بل يلام على الترك، كما أنهم متفقون على أن ما قام الدليل على عدم دخوله في الأمر لا يدخل ولا يكون مأمورا به ولو شمله لفظ الأمر لغة، فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل90] فالعدل مأمور به ولكن يخرج منه ما لا يستطيعه الإنسان كالعدل بين الزوجات أو الأولاد أو الخصوم في الحب القلبي.
وقد تبع ابن قدامة وكثير من الأصوليين الغزالي في عدم اشتراط الإرادة في الأمر من غير أن يقيدوا الإرادة بالكونية القدرية، وخطأوا المعتزلة في اشتراط