بمعنى أن نصوص الشرع العامة تدل على مراعاة جنس هذه المصلحة، ولكننا لا نجد نصا خاصا على تحقيق هذه المصلحة بهذا الحكم المعين بخصوصه؛ إذ لو وجدنا أصلا خاصا وأمكن القياس عليه لكانت من النوع الثاني.
ومثال هذا النوع: المصلحة الناشئة من جمع القرآن في مصحف واحد، فهذا العمل فيه مصلحة حفظ الدين، ولكن لم نجد نصا يدل على حفظ الدين بهذه الطريقة بخصوصها، ولا بشيء يشبهها شبها يمكن معه قياسها عليه.
ومن ذلك المصلحة الناشئة عن وضع إشارات المرور في الشوارع العامة، ومعاقبة من لا يراعيها، فإن هذا العمل فيه مصلحة ظاهرة للناس؛ حيث إن الالتزام بهذه الإشارات يحفظ أرواح الناس وأموالهم، وعدمه يؤدي إلى التصادم وتعطيل الحركة وهلاك الأنفس والأموال، فهذه المصلحة من حيث جنسها قد جاء بها الشرع، ولا يشك مسلم في أن الإسلام يدعو إلى حفظ الأنفس والأموال، ولكن لا نجد نصا خاصا يدل على حفظها بهذه الطريقة (أي: بوضع إشارات المرور) ولا بطريقة تشبهها شبها بينا يمكن قياسها عليها.
وهذه المصلحة هي التي تسمى المصلحة المرسلة، وهي التي اختلف في حكم الاحتجاج بها على إثبات الأحكام الشرعية.
ولا يصح أن نفسر المصلحة المرسلة بالمهملة أو المسكوت عنها؛ فإن الشرع لم يهمل شيئا من المصالح الحقيقية، وإنما أهمل المصالح المتوهمة، والظاهر أن قولهم: المرسلة، لإخراج المقيدة، وهي التي شهد لها أصل خاص بالاعتبار، وأمكن القياس عليها.