فقد بيّنتْ هذه الآيات مَن هُم الذين يُدركون تلك البصائر التي تَنطق بالأدلّة على دلائل القدرة، وآيات العظمة التي تستوجب الإيمان بوجود الله، وتفرّده بالوحدانية، واستحقاقه للعبوديّة الخالصة. إنها صفات: الإيمان، والتّذكّر، واليقين، والرجوع إلى الله.
مَن اتّصف بتلك الصفات، تتجلّى له الحقيقة بيضاء ناصعة، ولامس الإسلام شِغاف قلبه، وتعمّق في وجدانه ومشاعره.
2 - البرهان: هو الدليل القاطع للعُذر، والحُجّة المزيلة للشُّبْهة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}.
ولقد طلب القرآن الكريم من المستكبِرين والمعانِدين أن يُقدِّموا البراهين والأدلّة على صدْق مَزاعِمهم الفاسدة وعلى صحّة معتقداتهم الباطلة، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ومن ذلك: ما اعتقده اليهود والنصارى من اقتصار الجنّة عليهم، وزعْمهم الباطل ألّنْ يدخُلَها غيرُهم، فطالَبهم الله بالبرهان والدليل؛ قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وقال تعالى عن عُبّاد الأصنام والمُتّخِذين من دون الله آلهة، بدون برهان أو دليل: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
3 - الحُجّة -بالضّم-: البرهان، والمِحْجاج: الجَدِل، والتّحاجّ: التّخاصم. وتُجمع على: حُجَج، وهي: أن يَطلب كلّ واحد أنْ يرُدّ الآخَر عن حُجّته ومحجّته.