وتُصوِّر سورةُ الواقعة، وسورةُ القيامةِ هذه المشاهدَ، ما يُرى منها وما لا يُرى، وهي آخرُ عهدِ الإنسان بالدُّنيا، وأول عهده بالآخرة، ويزيدُ القرآنُ الكريمُ صورةً أخرى من صور الاحتضار، مرئيَّة وواقعيَّة، وهي خاصَّةٌ بالكافرين عموماً، وبكلِّ من أشرك بالله، أو اتَّخذ له ندَّاً أو شريكاً: أنَّ هؤلاء في حالة الاحتضار، وبعد الموت مباشرةً، تنهال الملائكة بالضرب على وجوههم وأدبارهم، قال تعالى:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال:50 - 51].
فالتَّعبير بالرُّؤية، واستخدام الفعل المضارع، الَّذي يدلُّ على الحال والاستقبال، يُشير إلى أنَّها رؤيا واقعةٌ ومستمرةٌ في كلِّ أحوال الكافرين عند الاحتضار، وتزداد هذه الصورة وضوحاً وجلاءً، في قوله تعالى:
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93].
هذا يُبدِّدُ ما يعتقدُه البعضُ، خطأً وجهلاً أو نفاقاً، عن نجاةِ المشركين والكافرين، وعدمِ إلحاق العذاب بهم، وقد وردت أحاديثُ كثيرة، تُبيِّن أحوال المؤمنين والكافرين، عند الموت والاحتضار: (انظر صحيح البخاري، مع فتح الباري ج 3، ص 184. وانظر صحيح مسلم بشرح النووي ج 17 ص 203).
وهو من أمور الغيب، التي يجبُ الإيمانٌ بوقوعها، كما أخبر القرآن الكريم، وتحدَّث به الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-.