ضغينة، وقلب مطمئن بالإيمان، مستوثق كلّ الثقة بنصر الله وتأييده. لقد تجمّع صبر الأنبياء جميعاً في صبره، وأفرغ الله عليه من الثبات واليقين وقوّة العزم ورباطة الجأش الذي لا تُحرِّكه شدائد الدنيا بأسرها، وأودع الله بين حنايا نفْسه الرحيمة والحليمة من الحِلْم وسعة الصدر ما وسع أعداءه قبل أصحابه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

وسوف نقتطف من رياض صبره -صلى الله عليه وسلم- بعض الباقات التي ترسم صورة رائعة سامية للصبر والمصابرة، والمجاهدة والتحمّل، دون تبرّم أو ضيق أو غضب، الصبر الذي يحمل بين ثناياه أملاً يتجدّد، وتفاؤلاً يُرسل أشعّته على القلوب، فتشعر بالطمأنينة لجانب الله والرضى بقضائه وقَدَره.

هذا الخُلق الكريم، والفضيلة المتألّقة بين الفضائل، يُجهد الإنسان نفْسه ويعتصر عقله وفكْره إذا ما أراد حصْر بعضها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو استيعاب جزء منها في محاضرة أو عدة محاضرات؛ حيث إنّ مجالات الصبر وميادينه في حياته -صلى الله عليه وسلم- أكثر من أن تحصى، لذلك سأرصد للدارسين والدّعاة بعضاً منها على النحو التالي:

1 - اليُتْم المُبكِّر للرسول -صلى الله عليه وسلم- ربّى فيه ملَكة الصّبر منذ طفولته، ومجابهة الحياة وتحمّل مسؤولية الرِّجال، وهو -صلى الله عليه وسلم- فتىً صغير يرعى الغنم، ليكفل نفْسه ويُعين عمّه أبا طالب.

2 - ما أمره به الحقّ -تبارك وتعلى- في مرحلة التربية والإعداد للدعوة بالصبر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.

وقال تعالى في سورة (المزمل)، وهي من أوائل ما نزل من القرآن الكريم: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015