وبَيَّنَ القرآن الكريم أنَّ الله توعَّد كلَّ من يكفر بالله ورسله، ويفرق بينه -سبحانه- وبينهم في الإيمان ببعض والكفر ببعض، كما فعل اليهود -عليهم لعنة الله- حينما آمنوا بجميع الأنبياء إلا عيسى ومحمداً -عليهما السلام- وكإيمان النَّصارى بجميع الأنبياء إلا محمَّداً -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويتَّخذون في هذا عقيدةً ومنهجاً وسبيلاً، فأولئك وغيرهم ممَّن يؤمنون بالبعض ويكفرون بالبعض، قد حكم الله عليهم بالكفر، وأعدَّ لهم عذاباً مُّهيناً. قال تعالى:
{إِنَّ الَّذينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} [النساء:150 - 151] أمَّا المؤمنون الَّذين أكرمهم الله بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، فقد أخبر الله بشأنهم في نفس الآيات:
{وَالَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:152]
وينبغي على أتباع الدِّيانات، وخاصَّةً اليهود والنَّصارى: أن يكُفُّوا ألسنتهم عن الخوض في التَّفرقة بين النَّبِيِّين، والنَّيل منهم ووصفهم بصفات لا تَليق بآحاد الناس، فضلاً عن المرسلين، كما ذُكر ذلك فيما يزعمون أنَّه الكتابُ المقدَّس، سواء في أسفار "العهد القديم"، "التَّوراة" أو "العهد الجديد": الأناجيل، حيث ألصقوا ببعض الأنبياء -زوراً وبهتاناً- تهمة ارتكاب الكبائر، مما يتنافى وعصمتهم وحفظ الله لهم، وتفضيلَهم على الخلق جميعاً، قال تعالى:
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة:253].
فالتَّفاضل بينهم شأنٌ يخصُّ الله تعالى، فهو -سبحانه- يعلم قدر كلٍّ منهم ومنزلته وفضله، قال تعالى:
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [الإسراء:55].