فالصيام هو الطريق الأعظم لحصول هذا الغاية الجليلة التي توصل العبد إلى السعادة والفلاح؛ فإن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهي نفسه من طعام وشراب، وتوابع ذلك؛ تقديمًا لمحبة الله على محبة النفس، ولذلك اختص الله تعالى لنفسه الصيام من بين سائر الأعمال، فقال: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزِي به)).

وبالصيام يزداد الإيمان ويتمرّن العبد على الصبر النفسي الدافع لاندفاع النفس البهيمية في شهواتها الضارة، وبالصيام يستعين العبد على كثير من العبادات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة، ويرجع النفس عن الوقوع في الأمور المحرمة من أقوال وأفعال، وذلك من أصول التقوى، وبالصيام يعرف العبد نعمة الله عليه في أقداره على ما يتمتع به من مأكل ومشرب ومنكح وتوابع ذلك، فالامتناع منها في وقت وحصول المشقة بذلك، وإباحته في بقية أوقاته يذوق طعم الجوع والظمأ، ويعرفه مقدار النعمة ويحنو على إخوانه المعدمين الذين لا يكادون يجدون القوت دائمًا.

وبالصيام يكون العبد صابرًا على الطاعات، وعن المخالفات، وعلى أقدار الله المؤلمة بصبره عن المفطرات التي يؤلم النفس تركها، ويكون من الشاكرين لله بمعرفة مقدار نعمة الله عليه بالسعة والغنى، وبنعمته الكبرى بتوفيقه للصيام.

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصيام يُكفّر الذنوب المتقدمة كلها، وأن الله يحبه ويرضى عن صاحبه، ويعطيه أجرًا عظيمًا، وأن من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنّما صام الدهر، ومن صام من كل دهر ثلاثة أيام، فكذلك، فإن الحسنة بعشرة أمثالها، وذلك يعدل صيام الدهر، فضلًا من الله ومنة، ومن تيسير الله للصيام وتسهيله: أن الله تعالى شرعه في وقت واحد وشهر واحد؛ ليتفق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015