أشكل عليه، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرّدّ أو الاستحسان ألا يبادر برده أو قبوله قبل الفراغ من ذلك الكلام؛ ليتبيّن ما فيه من حق أو باطل، وليفهمه فهمًا يتمكّن فيه من الكلام فيه على وجه الصواب.
ومن الاستعجال في العلم التصدّر للتعليم قبل التأهُّل له، والتصدّر للفتيا قبل التأهّل لها، والتسرع بالجواب قبل إدراك السؤال. ومنها: النهي عن العجلة في نقل الأخبار قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6) أي: فاستظهروا صدقه من كذبه بطريق آخر؛ كراهة أن تصيبوا قومًا بجهالة -أي: قومًا بُرآء مما قذفوا به- بغية أذيّتهم بجهالة لاستحقاقهم إياه، ثم يظهر لكم عدم استحقاقهم؛ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، أي: فتندموا على إصابتكم إياهم بالخيانة التي تصيبونهم بها، وحق المؤمن أن يحترز مما يخافه الندم في العواقب.
ولقد كان للعجلة في نقل الأخبار بلا تثبت أثرها السيئ في انتشار حديث الإفك الذي روّجه المنافقون ضدّ الطاهرة المبرأة النزيهة العفيفة أمنا عائشة -رضي الله عنها- حتى قال الله في هذه العجلة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15) وهي سورة فيها الخفّة والاستهتار، وقلة التحرج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة، ولا اهتمام؛ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} لسان يتلقى عن لسان، بلا تدبّر ولا تروٍّ، ولا فحص ولا إمعان نظر؛ حتى لكأن القول لا يمرّ على الآذان، ولا تتملاه الرءوس، ولا تتدبره القلوب {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ} بأفواهكم لا بوعيكم ولا بعقلكم ولا بقلبكم؛ إنما هي كلمات تقذف بها الأفواه، قبل أن تستقر في المدارك، وقبل أن تتلقّاها العقول، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.