قال ابن القيم: إنما كانت العجلة من الشيطان؛ لأنها خفَّة وطيش وحدّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار، والحلم، وتوجب وضع الشيء في غير محله، وتجلب الشرور، وتمنع الخيور، وهي متوّلدة بين خلقين مذمومين هما: التفريط والاستعجال قبل الوقت.
والذي يتتبع نصوص الوحيين يرى فيها الكثير والكثير من النهي عن العجلة فمنها النهي عن العجلة في طلب العلم قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 16 - 19) قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآيات: هذا تعليم من الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في كيفية تلقي الوحي من الملك؛ فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته؛ فأمره الله -عز وجل- إذا جاء الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفّل الله تعالى له أن يجمعه -يعني: ما أوحيه ما في صدره- وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه.
فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه، ولهذا قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أي: بالقرآن كما قال تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114)، ثم قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرك {وَقُرْآنَهُ} أي: أن تقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي: إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي: فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي: بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه، ونفهمك معناه كما أردنا وشرعنا.
وقال السعدي -رحمه الله-: وفي هذه الآية أدب لأخذ العلم ألا يبادر المُتعلم للعلم قبل أن يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها؛ فإذا فرغ منها سأله عما