أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (البقرة: 237)، وبين أن أجر وثواب العفو عليه سبحانه فقال: {فَمَنْ عَفَا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (الشورى: 40)، وبين -سبحانه وتعالى- هذا الأجر الذي وعد به العافين عن الناس فقال: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ونِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: 136).
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عفوًا غفورًا يعفو عن المسيئين، ويتجاوز عن الظالمين، عن عبد الله قال: "كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة -قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته- ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه وضحك، ثم أمر له بعطاء)).
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: ((أنه غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد؛ فلما قفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أي: لما رجع- من غزوته قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرق الناس يستظلون بالشجر، قال جابر: ونمنا نومة فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وقد جاءوه، وعنده الأعرابي: إن هذا الأعرابي اخترط علي سيفي، وأنا نائم فاستيقظت، وهو في يده سلطًا فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله ثلاث مرات، ولم يعاقبه، وجلس)).
فهذا أعرابي جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم فأخذ السيف، وأيقظه، وقال: من يمنعك مني؟ يعني: من يمنعك مني يا محمد؟ أنا، وأنت، والسيف، ولا أحد عندنا،