فقال الرجل لعمر: أومانعي ذلك عندك حقًّا من حقوق الله؟ أنت لا تحبني فهل عدم حبك لي يمنعني أن آخذ حقي منك قال: لا، لا يمنعك أن تأخذ حقك فقال الرجل: ما يضيرني بغضك إياي إنما يأسى على الحب النساء. فقد عرف الرجل من ورع عمر، ودينه أن شدة غضبه، وغيظه عليه، وكراهيته له لا تخرج به عن العدل إلى الظلم فلما وثق من عدل عمر أمن من بطشه.

وروي أن يهوديًّا شكا عليًّا إلى عمر في خلافته -رضي الله عنه- فقال عمر لعلي: "قف بجوار خصمك يا أبا الحسن فوقف، وقد علا وجهه الغضب فبعد أن قضى الخليفة بينهم بالعدل قال: أغضبت يا علي أن قلت لك: قف بجوار خصمك؟ فقال: لا، والله يا أمير المؤمنين ولكن من كونك كنيتني بأبي الحسن فخشيت من تعظيمك إياي أمام اليهودي أن يقول: ضاع العدل بين المسلمين".

هذه أمثلة من قيام المسلمين بالحق، والعدل مع غير المسلمين، والأمثلة التي وعاها التاريخ في هذا المجال كثيرة مستفيضة تشهد كلها بأن هذه الوصايا، والفرائض الربانية قد استحالت في حياة هذه الأمة منهجًا في عالم الواقع يؤدى ببساطة، ويتمثل في يوميات الأمة المألوفة إنها لم تكن مثلًا عليا خيالية، ولا نماذج فردية إنما كانت طابع الحياة الذي لا يرى الناس أن هناك طريقًا آخر سواه.

وهكذا سبق الإسلام كل نظم العدالة الحديثة حين جعل العدل فوق كل شيء، وأمر بالوزن بالقسطاس المستقيم بين الكافر، والمسلم، والعدو، والصديق، والموالي، والمعاهد؛ فهو بذلك يستحق من جميع الناس آمنوا به أم لم يؤمنوا نظرة صادقة منصفة تجعلهم يعترفون بأن الإسلام دين السماحة، والعدل لا دين الإرهاب، والجور، وأنه لا يجوز الحكم على الإسلام بتصرف بعض الأفراد الذين خالفوا شريعته، وشوهوا صورته، فالإسلام حجة على الناس، وليست أعمال الأفراد حجة على الإسلام؛ فعلى المسلمين أن يحرصوا على نشر العدل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015