أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا هي بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير من عكس ذلك.

ففي الحديث: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قط هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)).

ومن الأسباب التي تعين على الصبر استشعار النفس بما تعلمه من نزول الفناء، وتقضي المسار، وأن لها آجالًا منصرفة، وأقدارًا منقضية إذ ليس للدنيا حال تدوم، ولا لمخلوق عليها بقاء كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (آل عمران: 185)، ومنها أن يتصور انحلال الشدائد، وانكشاف الهموم، وأن الله قدرها بأوقات لا تنصرم قبلها، ولا تستديم بعدها؛ فلا تقصر تلك الأوقات بجزع، ولا تطول بصبر، وأن كل يوم يمر بها يذهب منها ببعضها حتى تنجلي كلها، وتنفرج، وتزول المكاره، والخطوب كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ولَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (يوسف: 110)، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214).

ومنها أن يعلم أن البلاء عنوان محبة الله -سبحانه وتعالى- كما في الحديث: ((إنّ الله إذا أحب قومًا ابتلاهم)) بل عليه أن يعلم أنه كلما ارتفع الإنسان منزلة عند الله -عز وجل- وقدرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015