اللائمين إذا كان في ذلك رضًا لرب العالمين؛ فيُقدم على قول الحق غير مبالٍ بانتقاد من انتقده في موضوعه أو لفظه أو فصاحته أو عدمها لا يعدُّ المدح من الناس شيئًا في جانب قيامه بالحق. أما المرائي المتزيّن للناس، الواقف في همته على مدحهم وذمهم، فما أسرع خوره في المقامات الرهيبة، وما أعظم هلعه وهيبته إذا رماه الناس بأبصارهم، وما أقل ثبوته عند اعتراض المعترضين، وذم الذَّامين، والسبب في هذا أنه جعل تعظيم الخلق ومدحهم وثناءهم نُصب عينيه، وقبلة قلبه، وهو غايته التي يطلب.

ومعلوم أن من كانت هذه حالة أن أقواله وأفعاله تقع على هذا النحو الذي ينحو، والطريقة التي إليها يصبو، ومع ذلك لو قام في مقام من مقاماته الوضيعة؛ لكانت أقواله وأفعاله قليلة البركة، غير مأمون من ثبوته عليها، ولو تأملت الغاية التي يسعى إليها وهي إرادة تعظيم الخلق؛ لوجدت هذا التعظيم أو الثناء، إذا فرض وجوده نفاقًا وتزينًا، واتباعًا للأغراض المتنوعة، فما أسرع ما ينقطع ويتبدّل بضدّه. أما المخلص لله -عز وجل- القاصد لوجهه الذي غرضه نفع عباد الله، فإن الله يجعل في أعماله وكلامه الخير والبركة، ولو قُدّر أن يعترضه في هذا الطريق لوم اللائمين، وطعنهم، فيا سرعان ما يزول {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17).

ومن الجدير بالذكر أنه ليس من الشجاعة أن يحرص الداعية على أن يقول كلمته، مهما ترتَّب عليها من المضارّ والمفاسد، وليس من الشجاعة أن يقف الداعية على منبره يسبّ ويشتم، ويشهّر، ويجرح معتقدًا أن ذلك من الشجاعة، وأنه بذلك من أفضل المجاهدين يبلّغ رسالة ربه ولا يخاف في الله لومة لائم، وهذا فهم خاطئ؛ لأن هذا التصرف إنما هو من التهور المذموم، لأن الشجاعة المحمودة -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015