فالداعية الذي يعطي دعوته ماله ويبخل عليها بوقته، أويعطيها جهده الجسمي ويضن ّ عليها بنتاج عقله؛ لا يمكن أن يكون مخلص ً الدعوته، ولا مهتم ًّا بنشرها؛ لأن الداعية المخلص يجب أن تكون دعوته هي شغل هـ الشاغل الذي لا يصرفه عنه صارفه مهما عظم، فهو يقدم الدعوة على طعامه وشرابه، ويؤثرها على زوجه وأولاده، ويتصورها في يقظته ومنامه، ويبذل ماله ليكسب لها الأنصار، ويتألف بها الأعوان، ويضني جسمه ليبلغ بها أبعد الآفاق، ويكد ّ عقله ليبتكر الوسائل التي تعينه على إقناع الناس بها، وتحثهم على الالتفاف حولها.
هذا؛ وإن للإخلاص فوائد كثيرة: منها أن يمد ّ جأش صاحبه بقوة، فلا يتباط أأن ينهض للدفاع عن الحق، ومنها: أنه يشرح صدر صاحبه للإنفاق في وجوه البر فتجده ي ُ ؤثرها بجانب من ماله وإن كان به خصاصة، ومنها أنه يعلم صاحبه الزهد في عرض الدنيا فلا ي ُ خشى منه أن ينو ّ هـ الحق، أويلبسه بشيء من الباطل ولو أعطي الشيء الكثير من المال، ومنها أنه يحمل القاضي على تحقيق النظر في القضايا، فلا يتسرع في القضية ويفصل فيها إلا بعد أن يتثبت، ويتبين له الحق.
ومن فوائد الإخلاص أنه يحمل المعلم على أن يبذل جهده في إيضاح ما خفي على التلميذ، وأ لا يبخل على الطلاب بما تسعه أفاهمهم من المباحث المفيدة، ومنها أنه يمنع التاجر من الخيانة؛ فلا يخون الذي يأتمنه، ومنها أنه يحمل صاحبه على إجادة العمل، وأن يكون محسن ًا فيه، ومنها أنه يحمل صاحبه على الوفاء بالعهد والوعد، ومنها أنه يحمل صاحبه عل ى الوفاء بالعهد والوعد، ومنها أنه يحمل صاحبه على أن يكون عمله للقريب والبعيد سواء، ومنها أن العبد لا يتخلص من الشيطان إلا بإخلاص ني َّ ته للرحمن، فقد حكى الله - تبارك وتعالى - عن إبليس -لعنه الله- أنه قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص: 82، 83).