وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (طه: 90، 91). فكان من توبة الله عليهم من تلك الجريمة التي ارتكبوها وهي عبادة العجل من دون الله {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 54).
هذه هي أرجح الآراء في التسمية لكلمة يهود ويهودي، وهي إلى وصف بني إسرائيل أقرب منها إلى وصف المعتقد إلا أن اليهود أنفسهم قد استخدموها في الدلالة على المعتقد كما قال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (البقرة: 135)، كما استخدمها القرآن الكريم في الدلالة على الأمرين معًا فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة: 30)، وقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120).
أما كلمة المسيحية أو النصرانية؛ فالمسيحية نسبة إلى المسيح -عليه السلام- والنصرانية مرد ُّ ها إلى قرية الناصرة وإلى نصرة المسيح وإلى قولهم: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} (آل عمران: 52) إجابة لقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (الصف: 14)، ولما كانوا مضرب المثل في التضحية لنصرة المسيح؛ د ُ عوا بهذا الاسم النصارى، وهذه النسب فيها خلاف بين كثيرين ليس هذا مجال بيانه الآن.
وإذا كان الاسمان السابقان: يهود ونصارى قد وردا كثير ً افي القرآن الكريم مرادًا بهما أتباع موسى وعيسى - عليهما السلام - فإن القرآن لم يرد هذه التسمية وقت النزول كاصطلاحًا صار علمًا بالغلبة على هؤلاء، وعندما أراد اليهود والنصارى أن يجعلوا ذلك أي: التسمية وحيًا إلهي ًّ اوعقيدة دينية رد َّ القرآن ذلك؛ لأن ما عليه القوم غير ما جاء به موسى وعيسى - عليهما السلام - قال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (البقرة: 135) فقال اليهود: كان إبراهيم يهودي ًّ ا، وقالت النصارى: كان إبراهيم نصراني ًّ افبر َّ أه الله تعالى مما قالوا، وأنزل فيه القرآن فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67).
وفي النص تعريض بهؤلاء دون الإفصاح {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} إشارة إلى ما وقعوا فيه من الشرك هم، وعندما ك َ ث ُ ر جدلهم وحوارهم حول هذا الأمر ورد الخطاب العقلي الهادي الهادف {يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 65 - 67).
وقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 140) إذن الدين هو الإسلام، وهذه المسميات اليهودية والنصرانية ت ُ سمى بها أقوام ورضوها لأنفسهم اسمًا يدل على دينهم، ولا أساس لهذه التسمية في كتبهم المنزلة من عند الله عز وجل.
ولقد أخبرنا الله تعالى أن أهل الكتاب حر َّ فوا كلام الله وغي َّ روا دينه فقال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أولًا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ