المشرك الذي يعلم بفطرته عظمة الله، ويشرك مع الله آلهة أخرى؛ فتراه تارة ينافق الناس، وتارة يتخذ إلهه هواه، وتارة يستعبده المال، وتارة يتعلق بالحياة؛ فينخلع قلبه من الموت أو المرض، وهو في كل ذلك قلق لا يطمئن على نفسه ولا على ماله وعلى شيء من ملذاته؛ لأنه لا يؤمن بمصير معين، ولا يخضع لإلهٍ واحد، بيده كل شيء، وهو على كل شيء قدير.
كما أن عقيدة التوحيد والإيمان بالله -عز وجل- تُربي عقل الإنسان على سعة النظر، وحب الاطلاع على أسرار الكون، والطموح إلى معرفة ما وراء الحس؛ فكل ما في الكون مما نرى وما لا نرى من السموات والكرسي والعرش والملائكة، كل ذلك من ملك الله، وكل كائن صغير أو كبير يسبح بحمد الله ويشهد بعظمته، وقد أمرنا القرآن الكريم أن نتأمل ذلك كله، نتأمل خلق السموات والأرض والبحار والأنهار والإبل والدواب والنحل، وبين لنا أن ما من شيء إلا والله يعلمه صغيرًا كان أو كبيرًا، قال سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام: 59).
وبالتوحيد وإفراد الله تعالى بكل صفات الألوهية يبتعد الإنسان عن التعلل بالآمال الكاذبة؛ فلا تنفع عند الله شفاعة الشافعين، إلا لم يأذن له الله ويرضى، وما من أحد يفيده قربه من الله إلا عن طريق العمل الصالح؛ فليس إليه قرابة رحم ولا صلة أبوة، ولا صحبة سابقة لأحد من العالمين؛ الكل عباده والكل محاسبون مجزيون بأعمالهم خيرها وشرها، ويتسلح الإنسان إذا آمن بالله حق الإيمان بالطمأنينة والرجاء، مع السعي والتوكل على الله، وعدم التواكل.
فالمؤمن الموحد مطمئن بعد أن عرف أن الله قريب، يجب دعوة الداعين، ويتوب على التائبين وينصف المظلومين، وقد وسعت رحمته كل شيء؛ فضلًا من الله ونعمة.