حكمة اختلاف الشرائع من أمة لأمة

وقد بين الإمام الشوكاني - رحمة الله عليه - حكمة اختلاف الشرائع من أمة لأمة فقال قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (النحل: 93) أي: بشريعة واحدة، وكتاب واحد، ورسول واحد {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ} (المائدة: 48) أي: ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد، بل شاء الابتلاء لكم باختلاف الشرائع، ومعنى {ف ِ يم َ اآ َ ت َ اك ُ م ْ} فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والرسل، هل تعملون ب ذلك وت ُ ذعنون له، أوتتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته، وتميلون إلى الهوى، وتشترون الضلالة بالهدى، وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة أعني: الابتلاء والامتحان، لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص. وفي ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شت َّ ى ودينهم واحد)).

قال الإمام النووي - رحمه الله-: قال العلماء: أولاد العلات هم الإخوة لأب من أمهات شت َّ ى، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان، قال جمهور العلماء: معنى الحديث أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف، فإذا ثبت أن الدين الحق هو الإسلام، وأنه دين جميع الأنبياء وجوهره توحيد الله - سبحانه وتعالى - فمن أين جاءت المسميات الأخرى، من أين جاءت اليهودية والنصرانية، ومن أين ع ُ بد المسيح ابن مريم وعبد عزير وغيرهما، إذا كان دين الأنبياء واحدًا هو الإسلام وجوهره التوحيد هو إفراد الله - تبارك وتعالى - بالعبادة؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015