والحج اتفق عليها جميع الأنبياء. أما الشرائع وهي مجموعة الأحكام الت ي ك ُ ل ّ فت بها الرسل وأقوامهم فهي مختلفة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48).
قال الطبري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة: 48). قال الطبري في تفسير هذه الآية: ثم ذكر نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقًا لما بين يديه من الكتاب وأمره بالعمل بما فيه، والحكم بما أنزل إليه فيه دونما في سائر الكتب غيره، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شريعة الأنبياء والأمم قبله، الذين قص ّ عليه قصصهم، وإن كان دينه ودينهم في توحيد الله والإقرار بما جاءهم به من عنده والانتهاء إلى أمره ونهيه واحدًا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكل واحد منهم ولأمته فيما أحل لهم وحرم عليهم.
عن قتادة في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال: سبيل ً اوسنة والسنن مختلفة للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، ي ُ حل ّ الله فيها ما يشاء وي ُ حر ّ م ما يشاء بلاء ً؛ ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل، وقال الزمخشري في قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (الأنعام: 90): المراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة وهي هدى ما لم تنسخ، فإذا نسخت لم تبق هدى بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبدًا.