لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (طه: 123 - 127).
وكان آدم -عليه السلام- نبي ًّ امكلمًا، فعاش مسلمًا وتبعه أبناؤه على الإسلام لله - عزّ وجَل ّ- وإفراد الله بالعبادة، وظلوا على ذلك طيلة عشرة قرون، ثم اجتالت الشياطين أكثر الناس فأخرجتهم من نور التوحيد إلى ظلمات الشرك، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين؛ فاجتالتهم عن دينهم))، وكان السبب في وقوع أكثر الناس في الشرك بالله وخروجهم عن الإسلام والتوحيد لله - عز وجل - الغلو في الصالحين؛ فقد مات جماعة من الصالحين في أوقات متقاربة فحزن الناس عليهم، فاتخذوا لهم صورًا يذكرونهم بها، فلما طال العهد عبد الناس تلك الصور.
كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، التي قال الله تعالى فيها: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح: 23) قال ابن عباس في هذه الأسماء: أسماء رجال صالحين من قوم نوح؛ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتن اسخ العلم ع ُ بدت.
ولما كان الله - تبارك وتعالى - يحب العذر، فقد أرسل رسله مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: 213). قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: كان الناس أمة