أن يوسع آفاقه، ويطلعه على أحوال الأمم وتاريخ الرجال، وتقلبات الأيام، فإن الله تعالى قال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: 46)، ومنها: أن التاريخ أصدق شاهد على ما يدعو إليه الدين من قيم ومفاهيم، فهو مرآة مثقولة تتجلى فيها عاقبة الإيمان والتقوى، ونهاية الكفر والفجور، وجزاء الشاكرين وعقوبة الكافرين؛ لهذا اهتمّ القرآن بقصص السابقين وتواريخ الغابرين لما فيها من عبر بليغة، وعظات حية، كما قال تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 36، 37).
وأود أن ينتبه الداعية الذي يطالع التاريخ ويقتبس منه إلى الأمور الآتية:
أولًا: ألا يجعل أكبر همه وعي جزئيات التاريخ وتفصيلاته، فهذه لا يمكن أن تُحصر، ولو أمكن أن تُحصر؛ لكانت فائدة الداعية جدّ قليلة؛ إنما المهم رءوس العبر ومواقع العظمة في التاريخ.
ثانيًا: أن يكون ذا وعي يقظ للوقائع التاريخية التي تخدم موضوعه، وتعمق فكرته، وتقدم له الشواهد الحية.
ثالثًا: أن يُعنى بسير الرجال، ومواقف الأبطال، وبخاصة علماء والدعاة والصالحين، وفي تاريخنا بفضل الله -عز وجل- ثروة من السير تتمثل فيها الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، وتبرز الشخصية المسلمة مجسدة في مواقف وأعمال، كما نلمس ذلك في كتب الطبقات والتراجم كـ (وفيات الأعيان)، و (طبقات ابن سعد)، و (تهذيب التهذيب)، و (حلية الأولياء)، و (صفة الصفوة)، وغيرها.