وقد حوى القرآن الكريم من حقائق الغيب وحقائق النفس وحقائق الحياة، وحقائق الاجتماع الإنساني، وبيَّن من سنن الله تعالى، ومن آياته في الأنفس والآفاق ما لا يستغنى بشر عن معرفته والاهتداء به، وقد صاغ ذلك كله في أسلوب معجز هو نور من الكلام أو كلام من النور، لا يوصف إلا بأنه {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} (هود: 1) وصفه منزله بأنه نور، والنور من طبيعته أن يضيء ويهدي قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (النساء: 174)، كما وصفه بأنه روح، والروح من طبيعتها أن يحرك ويحيي قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (الشورى: 52).
ولهذا كان شأن المؤمنين المهتدين بالقرآن أن يُوصفوا بالحياة وبالنورانية معًا؛ لأنهم انتصروا على الموت وعلى الظلام جميعًا قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام: 122)، فعلى الداعية أن يعنى كل العناية وأن يهتم كل الاهتمام بالقرآن الكريم حفظًا ودراسة، وترتيلًا ووعيًا، وفهمًا، وتعليمًا، ودعوة.
ينبغي للداعية أن يحفظ من القرآن الكريم قدر ما يستطيع بل يحسن للداعية أن يحفظ القرآن كله، ويستظهره متى تيسر له أسباب ذلك؛ ليكون أقدر على استحضاره والاستشهاد به في كل مناسبة ممكنة، فالقرآن ذخيرة لا تنفد، ومعين لا ينضب لامتداد الدعاة، ومن اللازم للحافظ وغير الحافظ دوام التلاوة لكتاب الله -عز وجل- بخشوع وتأمل وتدبر، تنفتح معه أقفال القلوب وتنشرح الصدور لما جاء به من الحق، وتقتبس العقول منه أنور المعرفة، وتجتني ثمار الحقائق، ودوام هذه التلاوة مع التفهم والتدبر يجعل الداعية متمكنًا من استحضار الشواهد القرآنية التي يريد أن يؤيّد به فكرته، ويمنحها نسبة إلهية.