أيضًا؛ لتعذّر معرفة مقدار اللبن الحادث عند المشتري لاختلاطه باللبن الذي كان قبل الشراء، فلا يمكن الضمان بالمثل، وإنما صار الرد بصاع من تمر؛ لأن التمر أقرب المثليات إلى اللبن بجمع أن كلًّا منهما مكيل ومطعوم ومقتات، فأين المخالفة للقياس والأصول.
أما التشبث بعدم فقه الراوي؛ فقول غير مستساغ، لأن رواة السنة عندهم من الفقه لملازمتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يكفي للاطمئنان بصحة نقلهم، وأنه لم يفتهم شيء من معناه؛ فضلًا عن معرفتهم بأساليب العربية وبيانها، وعلى هذا فقول الجمهور في قبول سنة الآحاد هو الراجح، فكل سنة صحت بأن رواها الثقات الضابطون وجب المصير إليها وعدم الالتفات إلى ما خالفها، ومن خالفها كائنًا من كان؛ لأن الله تعبدنا باتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل للوصول إليها إلا عن طريق الرواة، فإذا ثبت عندنا ضبطهم وعدالتهم، أو ترجح ذلك كان دليلًا على صحة نسبتها للرسول -صلى الله عليه وسلم- إما على سبيل العلم القاطع أو الظن الراجح، وكلاهما يوجبان العمل بها شرعًا.
إذا تبين ذلك وعرفنا أن السنة بقسميها المتواترة والآحاد حجة في العقائد والأحكام نقول: ما هي الأحكام التي جاءت بها السنة؟
الأحكام التي جاءت بها السنة أنواع:
النوع الأول: أحكام موافقة لأحكام القرآن ومؤكدة لها، ومن هذا النوع النهي عن عقوق الوالدين، وعن شهادة الزور، وقتل النفس، فالقرآن نهى عن عقوق الوالدين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن عقوقهما، القرآن عن شهادة الزور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها، وهكذا.