اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)). وكان -صلى الله عليه وسلم- يحثهم على قراءة القرآن والخروج في طلبه بلغة التجارة والربح، عن عقبة بن عامر، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفَّة فقال: ((أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق؛ فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم، فقلنا: يا رسول الله، نحب ذلك. قال: أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خير له من ناقتين وثلاثة خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)).

والتعلم والتعليم الذي حضَّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يشمل القراءة، كيف يقرأ القرآن، وكيف يتلى، وكيف يجود، وكيف يرتل، ويشمل كذلك التفسير ومعرفة المعاني حتى يعقل العبد عن الله مراده، ويشمل استخراج الأحكام ومدارستها؛ فمن فعل ذلك فقد تلا القرآن حق تلاوته، ودخل في عموم قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (البقرة: 121) قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحلَّ حلاله ويحرم حرامه، ويقرؤه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلم عن مواضع، ولا يتأوَّل منه شيء على غير تأويله".

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِه} يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابه، ويكلون ما أُشكل عليهم إلى عالمه. وقال الإمام السيوطي -رحمه الله-: والأمة كما هي متعبدة بفهم معاني القرآن وأحكامه متعبدة بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القُراء، وهي الصفة المتصلة بالحضرة النبوية أي: أنه لا يكفي الأخذ من المصاحف بدون تلقٍّ عن أفواه المشايخ المتقنين للتلاوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015