إلا معنى واحد ًا فقط؛ ففي هذه الحالة تكون دلالة اللفظ على الحكم دلالة قطعية مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: 12) فالنصف والربع من الألفاظ التي لا تحتمل إلا معن ً ى واحد ً ا.
وقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: 2) فالمائة من الألفاظ القطعية الدلالة على مدلولها لا تحتمل معنى آخر، وتكون دلالة القرآن الظنية إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى، فتكون دلالة اللفظ الحكم إذًا دلالة ظنية وذلك مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: 228) فلفظ "قروء" يحتمل أن يكون المراد به الأطهار، ويحتمل أن ي ُ راد به الحيضات، فمع هذا الاحتمال تكون دلالة ال آية على الحكم ظنية لا قطعية، ولما كان الق ُ رء أو القروء تحتمل الأطهار والحيضات؛ لذلك اختلف الفقهاء في المراد بها، وبماذا تعتد ّ المطلقة، والراجح - والله أعلم - أن القروء المراد بها الحيضات لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة المستحاضة ((دعِ الصلاة أيام قرئك)) أي: أيام حيضتك.
فهذا هو القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع، والمصدر الأول الذي يستمد ّ الداعية منه دعوته ومادتها، والذي فرض الله - تبارك وتعالى - على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يجاهد به جهاد الدعوة في مكة قبل أن يفرض عليه جهاد السيف في المدينة قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (الفرقان: 51، 52) أي: بالقرآن الكريم جهاد ً اكبير ً ا، فالقرآن الكريم هو سلاح الداعية {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُه ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ